السبت، 23 يونيو 2012

أمطارْ تشرينْ ..!


ملاحظة هامة: بتاريخ الـ 14 من شهر نوفمبر \ 2015 الموافق ليوم السبت، أتبرأ من بعض النصوص الواردة في هذه التدوينة التي نُشرت في السابق، وأتركها هنا كميزان أقيس به التطور النفسي والإنساني الذي مررتُ به، وعليه، يُرجى أن تُقيّم التدوينة على أساس اللفظ لا على أساس المعنى، والله المُستعان على هوى النفس.

مـرّ اكثرْ من شهر ْ منذ أن كتبت أخر تدوينة لها , حينها قررت المكوث مع نفسها تتحرى سبب التقصير في الكتابة حتى فاجأتها الأخيرة بطلبها التمادي في وصف واقع دائم التهربْ من الوقوع على الورقْ والتسربْ خارج انابيبْ الحبرْ .. ! متناسية في الوقت ذاته بأنها الأنثى المطوية بين إسمها وإسم عائلتها , المتقوقعة داخل لفاتْ مجتمعْ أراد لها الايمان بتحفظه رغم تعريه الدائم امامها .. !


ها هي تكتبْ إذا ! رغم إيمانها بأن جل من يتابعها يدمن فلسفة الأخلاقْ .. ويتلوها أكثر من تلاوته القرآن ! يدغم في آية ويرفع صوته في أخرى تثير شهوته خوفاَ من  كشفها سهوا لتعاطيه السري لها !! .. يتلوها كما لو أنه برمج عليها لا تعلمها خطأ بعد خطأ وتجربة عن تجربة ..!  

قبل اليومْ لم تكنْ تفكر في الكتابة عنْ نفسها ولو قليلاَ .. رغم أن الكتابة هي إنعكاس لروح الكاتب إلا انها و في ذات الوقت كذبته لكل المواسمْ .. وحياته اللامرئية أحياناً .. ومسلسله الإباحي بمشاهدْ مقطوعة عند الدبلجة ..!  لكنها وبالنسبة لها ستكونْ الطريقة المثلى للتخلص من وجع الخجل من ذكر الحقيقة وألم الكشف عن دروس الماضي ! .. فغالباَ ما تؤلمنا الأشياء التي إعتدناها دون إيمانِ منا .. فنرتاح متى وشيْنا بها .. فإن كان الخجل ألمها السري .. فستشي به .. تماما كوشاية السحب بأمطار تشرينْ .. لتعلن هطولها الجريء على الأرض بعيداَ عن ذاك الهطول السري الكاذب .. ودونما مراعاة لرؤسنا الواقعة تحت شقوق الدين .. وملابسنا المعلقة على حبال العاداتْ والتقاليدْ ! .. هكذا ستكون على الأغلبْ .. " امطار تشرينْ " !



إهداء :

إلى أمي التي سألتني ذات شتاء عن معنى جملة كتبتها .. فألتفتُ يومها خجلاَ !
إلى أبي الذي أجابها بأن الإبداع لا يحتاج الى تفسيرْ فأزاح عن كاهلي ثقل الإجابة  !
إلى جدتي الأمية تحت الترابْ .. والتي لألمها في الحياة سأكتبْ .. !
إلى جدي الذي لم أدرك حكمته حين قالْ " الفلاحة المنقوبة الخنبة خيرْ منها " والقصد منها أن نكون انفسنا لا ما نحن عليه !
ومرة أخيرة .. الى الفاشل الذي أحبْبت .. والذي لم يعرفني يوماً فقررت تعرفيه بنفسي .. إليه من قال بأني لن أجد شبيها له فأخطأ !
اليكمْ أيضاَ سأكتبْ .. !!

 ذات سفرْ :

عكس الأخرينْ .. لم تكن تؤمن بأن النفس تسول لنا فعل المعاصي وتأمرنا بالسوءْ .. حتماَ ! .. لا بدّ من وجود لغطْ في قول كهذا ..! أو ربما أكثر من تفسير لآية مذكورة في القرآن الكريمْ ..  أظن النفس وحدها من تعطينا الإذن بالتجربة  .. ومن تعطينا الفرصة للتعلمْ .. ثم إنها الروحْ أيضاَ ! ومجرد إيماننا بأنها مبثوثة من قِبل الخالق - عز وجل - يكفينا شر إعتقادنا الخاطيء بها .. وهذا الإيمان يدفعنها  لرحمتها .. لا رجمها بكثرة التعبد وحصرها ضمن دائرة فرضها علينا مجتمع منافقْ ! .. 

كأي فتاة في مقتبل العمر ْ .. كانت تبحث عن فرصة للتعلمْ .. أن تمسك بالخطأ وتفككه ثم تعيد تركيبه بطريقة تراها مناسبة ! .. فجاءتْ الفرصة لا على طبق من ذهب كما في خرافاتْ العربْ ! بل على متن الخطوط الجوية الإفريقية التي ستتوجه بها وعائلتها الى المملكة المتحدة .. حيث يمكننها هناكـْ أن تكتشف مالم يُسمح لي بإكتشافه في خدعة أسميناها مزاجا وطنا !! ! .

منذ صعودها للطائرة وحلم التحليق خارج ثكنات ما أسموه في وطننا عيباَ يراودنها .. وإبتسامه عريضة ممزوجة بالسذاجة تشق وجهها كلما تذكرت بأنها أخيراّ ستتخلص من الأفواه الكريهة التي تتفقه في أتفه الأشياء تاركين العظمة لأولئك الذين تجاوزوهم وصولا للقمرْ .. ستتخلص من أولئك المُسيسين خُلقياَ .. المنومينَ مغناطيسياَ .. ستتخلص من المندسات خلف نقابهن وفلسفتهن الاخلاقية وفي باطنهن عهر لا ينتهي ! .

هيّذي  .. واقفة متسمرة لدهشة ما ترى .. عالم مختلف تماما عن ما كانت عليه .. ثقافات مختلطة .. وتصادمات ثقافية وعرقية شتى .. زادت من إعجابها أكثر  .. تنطلق.. تركض متوجهة نحو مخرج المطارْ .. الهواء البارد يتسلل عبر خصلات شعرها .. بلا شك .. لم تكن تضع الحجاب .. ولم يكن هو ليتقبلها لولا الإيمان به مؤخراَ ..! عاهدت نفسها منذ وصولها للمنزل بأن تستغل كل دقيقة من تواجدها هناك للتعلمْ .. ستحاول أن تجرب كل شيء لتتعلم من كل تجربة .. لن تسير في طريق شقه الآخرون قبلها  .. ليقودها الى حيث قادهم .. مسيسة كدمية صوفية تتأرجع من خيوط مربوطة بعصاتينْ .. يتحكمون بها متى شاءوا ويمزقونها إن شاءوا ..! لن تكون كمن لا يملكون الشجاعة لشق طريقهم بأنفسهمْ .. وقتها كانت - ولا زالتْ - تعشق الرسمْ .. تعتبره وسيلتها الوحيدة آن ذاك للتعبيرْ .. طلبت من والدتها أن تعطيها بعض الجنيهات لتشتري بها دفترا للرسمْ من المحل المجاور للمنزلْ .. ولحسن الحظ ..فقد كانت تجيد الإنجليزية .. وإن لم تكن لكنتها مفهومة آن ذاكـْ ... لكنها إستطاعت بها أن تُفهم صاحب المحل بأنها تبحث عن عدة للرسمْ .. وأقلام رصاص بدرجات مختلفة .. عادت بها الى المنزلْ ... كانت أول رسمة خطرت ببالها يومها .. فتاة مسجونة بوجه مشوه يلتف حوله شاش طويل جدا .. وخلفها سلاسلْ متشابكة إحداها تشد يدها اليسرى أما الأخريات فمكسوراتْ ..  يدها اليمنى تحاول فك الضماد عن وجهها .. وعيناها بارزتانْ تنظران اليّها كأن فيهما إستنجاداَ بها .. كأنما تسألها المساعدة في إخراجها من ظلمة الورقْ  لحقيقة لن تكون أشد ظلمة !  ..كانت مولوعة بتلك اللوحة لفترة طويلة تعتبرها إنجازها الاول .. وأن شاءوا أن يسموها خطيئتها الاولى .. كتبت أسفلها "  ليوم أرادت ان تعيش فسجنت في سجن احلامها .. فكيف إن أردات حريتها ؟؟ هل ستقتل ويحرق جثمانها ؟! " .. وإكتشفت مؤخرا أنها لم تكن سوى انا .. و نسخة طبق الاصل عني !  .. !

لم يخطر ببالي للحظة اني قد اتعرض للمساءلة حول تلك اللوحة ! .. ذات مساء بارد .. وفي إجتماعنا الأسري الحميم .. سألتني والدتي عن القصد من وراء هذه الجملة .. وهذه اللوحة .. كأنها بذلك وعت لما أنا مقدمة عليه من تجرد اخلاقي وتأسيس أخلاقي آخر أصنعه انا بذاتي ! .. لكن كلماتْ أبي جاءت كالعادة لتنقذني .. " الأبداع لا يحتاج الى مبرر .. ولا يمكننا فيه أن نسأل لما أو لماذا .. هو حالة نعيشها فنكتبها ونتعلم منها .. احيانا تطابقنا واحيانا نطابقها .. لكنها في كل الأحوال نحن " .. بإبتسامه عريضة قالها ونظر اليه .. كانه كان يشجعني على إكتشاف الذاتْ ... هوّذا أبي .. فلسفيّ بإمتيازْ .. ودراسته لعلم النفس والفلسفة فتحت له أفاق واسعة في فهم الذات الإنسانية والسماح لها بان تبحث وتتسآل .. حتى انه لم يمنعني من البحث والسؤال عن أشياء قد يمنعها الأخرونْ .. ! هي نعمة القدر إذا ! .. نحن نحمد الله على ما نحصل وننسى أن نحمده على ما نملك في الأساس ! .. أظنني لهذا السبب تعلمت أن أقنع بما لدي .. وأن استحمد للقادمْ..! ! ..

يأتي الصباحْ مسرعاً متسللا عبر نوافذ العقل ..يوقظني من الحلمْ الى الواقع بالتحديدْ !  .. ليعلن عن بداية يوم جديد وإكتشاف جديدْ .. هكذا الليالي الإنجليزية ! .. باردة .. وسرعان ما تمرْ .. في كل صباح عدا يومي السبت والأحد .. يكون عليا ان اتوجه الى المدرسة الإنجليزية الواقعة في منطقة ليست ببعيدة .. أستقل الحافلة رقمْـ 135 ثمـ 52 على التوالي .. ! ما إن أصل حتى اتفاجأ كل يومْ بإكتشاف جديدْ .. بعالمْ " حايسْ " لا يتجسس فيه أحد على أحد .. ولا دخل لاحد فيه باحدْ .. كل على هواه يعيشْ .. إختلاط طائفي لمْ اكن لأراه لولا وجودي هناكـْ .. تعرفتْ على صديقتينْ .. إحداهما باكستانية الأصل .. والأخرى ايرانية .. كانتا مسلمتينْ بطبيعة الحال ! وإن كان إسلاما متوارثا بالإسم لا غيرْ .. لكني ويالا العجبْ .. إكتشفت بأنهن لا يختلفن عنا  حتى كدت أنسب التخلفَ للإسلامْ  والجهل للإسلامْ .. كدت أغبنه حقيقة لولا والدي وقصصه عن السيرة والإنسانية والأسلام والقيامة ... كنا نتحدث في كل شيء .. الامر الذي زاد من إعجابي بديني وهو ذات الأمر الذي أوصلني لما انا عليه من الإيمانْ إن شئت بأن أسميه " نِعمَ الإيمانْ " ! ولأني لم أقع في المحظور المسمى كفراّ مبتعدة بأفكاري عن إتهام الدينْ .. إستطعت أن اجد لي صديقة أقتبس منها أفكارا تناسبني مع المحافظة على ديني .. كانت تدعى راموندا .. كانتْ مجنونة بكل معنى الكلمة .. الأمر الذي ساعدني لأفصح عن جنوني أيضاَ.. !

" تدخنينْ ؟ " .. يأتيني سؤالها كدغدغة لطيفة تثير ضحكي .. ثم تفجر بداخلي ضحكة عالية جداً ! .. 
" نعمْ " .. كانت إجابتي دونما تفكيرْ .. سريعة للغاية .. ! حتى أني لم أتردد ..ولم أتوارى ! 
"مرحا ! .. إذن شاركينا حفل التدخين بعد انتهاء الدوام .. سيكون ممتعا في حضوركْ "  .. ! 
إنتهى الدوامْ .. وإجتمعنا سويا امام باب المدرسة .. ! 

هيّذي السجارة .. ! تتقدمْ .. تقف لنصف ساعة بين أصبعيها !! قبلْ أن تتجرأ وتضعها فوق شفتيها لتستقر سريعاَ على الأرض بإبتسامة تهزأ باللحظة ! .. لا تدري ما الذي دفعها لرفضها قبل تجريبها ! .. أيعقل أن كابوس العيب لا زال يلاحقها .. ذاك العيب الذي يفرض على الأنثى بأن لا تدخن ويسمح للذكر بذلكـْ !! .. أم أنها ثقة والدها المفرطة  ما منعها ... لا يهم ما المانعْ .. كل ما يهم أنها حظيت أخيراَ بفرصة للتجربة وتعلم أن ما تربينا عليه لأعوام كثيرة لن نتخلص منه بسهولة في لحظة عابرة على أبواب مدرسة عابرة في ذاكرة عابرة بالقرب من أشخاص عابرينْ ! .. لكنْ والاهمْ من ذلكـْ .. تعلمتْ أننا بدون اخطاء لن نعقلْ .. وبالعقل لن نخطيءْ .. فقليل الجنونْ مفيدْ أحيانا !

 يتبعْ إن شاء الله ..!  .